سورة الشعراء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60)}
وعن مجاهد: سماها كنوزاً لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة الله. والمقام: المكان، يريد: المنازل الحسنة والمجالس البهية.
وعن الضحاك: المنابر.
وقيل السر في الحجال {كذلك} يحتمل ثلاثة أوجه: النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه. والجر على أنه وصف لمقام، أي: مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم. والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي: الأمر كذلك. {فَأَتْبَعُوهُم} فلحقوهم. وقرئ: {فاتبعوهم} {مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت الشروق، من شرقت الشمس شروقاً إذا طلعت.


{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}
{سَيَهْدِينِ} طريق النجاة من إدراكهم وإضرارهم. وقرئ: {فلما تراءت الفئتان}. {إنا لمدركون} بتشديد الدال وكسر الراء، من أدرك الشيء إذا تتابع ففني. ومنه قوله تعالى: {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الأخرة} [النمل: 66] قال الحسن: جهلوا علم الآخرة. وفي معناه بيت الحماسة:
أَبَعْدَ بَنِي أُمِّي الَّذِينَ تَتَابَعُوا *** أُرَجّى الْحَيَاةَ أَمْ مِنَ الْمَوْتِ أَجْزَعُ
والمعنى: إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم، حتى لا يبقى منا أحد. الفرق: الجزء المتفرّق منه. وقرئ: {كل فلق} والمعنى واحد. الطود: الجبل العظيم المنطاد في السماء {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ} حيث انفلق البحر {الاخرين} قوم فرعون، أي: قربناهم من بني إسرائيل: أو أدنينا بعضهم من بعض، وجمعناهم حتى لا ينجو منهم أحد، أو قدمناهم إلى البحر. وقرئ: {وأزلقنا}، بالقاف، أي: أزللنا أقدامهم. والمعنى: أذهبنا عزهم، كقوله:
تَدَارَكْتُمَا عَبْساً وَقَدْ ثُلَّ عَرْشُهَا *** وَذُبْيَانَ إذْ زَلَّتْ بِأَقْدَامِهَا النَّعْلُ
ويحتمل أن يجعل الله طريقهم في البحر على خلاف ما جعله لبني إسرائيل يبساً فيزلقهم فيه. عن عطاء بن السائب أن جبريل عليه السلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون، فكان يقول لبني إسرائيل: ليلحق آخركم بأولكم. ويستقبل القبط فيقول: رويدكم يلحق آخركم. فلما انتهى موسى عليه السلام إلى البحر قال له مؤمن آل فرعون وكان بين يدي موسى: أين أمرت فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون؟ قال: أمرت بالبحر ولا يدري موسى ما يصنع، فأوحى الله تعالى إليه: أن أضرب بعصاك البحر، فضربه فصار فيه اثنا عشر طريقاً: لكل سبط طريق.
وروي أنّ يوشع قال: يا كليم الله، أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا؟ قال موسى: ههنا. فخاض يوشع الماء وضرب موسى بعصاه البحر فدخلوا.
وروي أنّ موسى قال عند ذلك: يا من كان قبل كل شيء، والمكوّن لكل شيء، والكائن بعد كل شيء. ويقال: هذا البحر هو بحر القلزم. وقيل: هو بحر من وراء مصر، يقال له: أساف {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أية آية، وآية لا توصف، وقد عاينها الناس وشاع أمرها فيهم، وما تنبه عليها أكثرهم، ولا آمن بالله. وبنو إسرائيل: الذين كانوا أصحاب موسى المخصوصين بالإنجاء قد سألوه بقرة يعبدونها، واتخذوا العجل، وطلبوا رؤية الله جهرة {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز} المنتقم من أعدائه {الرحيم} بأوليائه.


{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)}
كان إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة أصنام؛ ولكنه سألهم ليريهم أنّ ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء، كما تقول للتاجر: ما مالك؟ وأنت تعلم أنّ ماله الرقيق، ثم تقول له: الرقيق جمال وليس بمال.
فإن قلت: {مَا تَعْبُدُونَ} سؤال عن المعبود فحسب، فكان القياس أن يقولوا: أصناماً، كقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219]، {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق} [سبأ: 23]، {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} [النحل: 30].
قلت: هؤلاء قد جاءوا بقصة أمرهم كاملة كالمبتهجين بها والمفتخرين، فاشتملت على جواب إبراهيم، وعلى ما قصدوه من إظهار ما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار. ألا تراهم كيف عطفوا على قولهم نعبد {فَنَظَلُّ لَهَا عاكفين} ولم يقتصروا على زيادة نعبد وحده. ومثاله أن تقول لبعض الشطار: ما تلبس في بلادك؟ فيقول: ألبس البرد الأَتحمى، فأجرّ ذيله بين جواري الحي. وإنما قالوا: نظل، لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12